كلمة لرئيس المؤسسة أ.د./بلقيس محمد جباري في إجتماع المناصرة

مؤسسةالتنمية والإرشاد الأسري

بسم الله الرحمن الرحيم

الاخوة/ات / ممثلي المنظمات والهيئات الوطنية والدولية العاملة في قطاع الاستجابة النفسية والاجتماعية.              

الحاضرون جميعا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

   بداية أود أن اشكر لكم حضوركم تلبية لدعوتنا هذا اليوم ومشاركتنا فعاليات وانشطة دعوة المناصرة تحت شعار (معاً نعمل على تخفيف الألم النفسي) لتأييد جهود الاستجابة النفسية والاجتماعية للمتضررين من الحرب الدائرة في وطننا الغالي اليمن. المتضررون من هذه الحرب كثر ويزدادون باضطراد وهم يعيشون أوضاعا نفسية أليمة وقاسية كنتيجة للحصار الشامل المفروض على بلادنا والقصف والدمار المتواصل للمدن والقرى اليمنية، والفقر والمرض ، الجوع والبطالة والحرمان والتشرد التي تطبق خناقها على ملايين الأسر اليمنية.

 إن اليمنيين وبكلمات موجزة تختزل الحقيقة المؤلمة والصادمة يخوضون اليوم صراعاً مريراً من أجل البقاء على قيد الحياة، وهو ما يولد لديهم ضغوطا نفسية مهولة وغير مسبوقة. فالألم النفسي والحزن والضيق والقلق والصدمات النفسية العنيفة لم تترك اليوم فردا ولا جماعة إلا وطبعت أثراَ من أثارها عليهم. ونحن في مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري وفي حدود الإمكانات المتاحة لدينا نخوض غمار معركة التصدي لهذه الاوجاع الاجتماعية والاضطرابات النفسية التي تهدد أمن وسلامة واستقرار الفرد والأسرة والمجتمع.

 

إن تقارير المنظمات الدولية اليوم، وفي مقدمتهما منظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن تردد صدى المعاناة الانسانية الدرامية في بلادنا والتي لا مثيل لها اليوم على هذا الكوكب الموسوم " بالمتحضر" وتكشف فداحة الاوضاع الانسانية والصحية في اليمن، وتنادي دول العالم بضرورة الاستجابة الصحية والنفسية لهذا الشعب المظلوم، وسرعة تقديم خدمات الصحة النفسية الإسعافية والمتخصصة لملايين المتضررين من اليمنيين. لقد أعلنت الأمم المتحدة وفي مناسبات عدة أن الكارثة الانسانية والصحية في اليمن هي أكبر كارثة على وجه الارض في القرن الواحد والعشرين.

إننا في مؤسسة التنمية والارشاد الأسري – كمؤسسة أهلية غير ربحية – واستجابة لمعاناة شعبنا المكلوم ، وبموازاة تلك النداءات الدولية ننظم هذا اللقاء التضامني مع ممثلي المنظمات والهيئات الوطنية والدولية المتنوعة بما فيهم قيادات مجتمعية ودينية ورجال مال وأعمال وصناع قرار، وذلك سعي منا لتعبئة وحشد وتنسيق الجهود لمجابهة النقص الحاد في الموارد والاحتياجات والخدمات الخاصة بالصحة النفسية المتخصصة. وهنا أسمحوا لي أن أسوق بعض الأمثلة لهذه الفجوة الواسعة بين الموارد والاحتياجات.

 

 

 

تفيد تقارير المنظمات الدولية إن 21 مليون يمني اليوم هم بحاجة ماسة إلى المساعدة الغذائية العاجلة ، منهم أكثر من سبعة ملايين يتهددهم الموت جوعا وهم في حاجة طارئة للغذاء ، ثلاثة ملايين طفل يعانون المجاعة ونقص الوزن ، ومثلهم خارج المدرسة ، وثلاثة ملايين مشرد من منازلهم وموطنهم الأصلي والقائمة للمعاناة طويلة. وبمقابل ذلك فان عدد الاطباء النفسيين في اليمن لا يزيد عن 46 طبيبا وهو ما يعني وجود طبيب نفسي واحد فقط لكل 600 الف نسمة ، وعدد المعالجين والاخصائيين النفسيين ، لا يتجاوز 130 معالجا نفسيا في كل ربوع اليمن بمعدل معالج واحد لكل 215 ألف نسمة، والممرضين النفسيين لا يزيدون عن 25 ممرضا نفسيا.

 كما تعاني اليمن من نقص حاد في المنشئات الصحية النفسية والتي هي عبارة عن مجرد أقسام وعيادات في مستشفيات عامة وخاصة والتي لا تزيد عن 13 منشئة صحية عامة و35 منشئة خاصة (عيادات نفسية في الأغلب) تتركز معظمها في العاصمة صنعاء. أما إذا عرفنا أن ثلثي المنشئات الصحية العاملة في اليمن قد تعرضت للتدمير والقصف وأصبحت اليوم خارج الخدمة فإننا نستطيع أن نتبين حجم العجز الكبير بين الموارد والاحتياجات لمواجهة متطلبات العلاج النفسي في اليمن. وإذا ما أضفنا إلى ذلك قضايا النقص في المعدات والتجهيزات والادوية والمستلزمات المتعلقة بتقديم خدمات الصحة النفسية فان الصورة تبدو معتمة ومحبطة للغاية.

تتركز خدمات الصحة النفسية في 5 محافظات فقط هي صنعاء، عدن ، الحديدة ، تعز، المكلا وتوجد خدمات بسيطة في إب وذمار أما بقية المحافظات فلا يوجد بها أي خدمات صحة نفسية على الإطلاق وهو ما يجعل عدد غير يسير من المرضى النفسيين يتكبدون بالإضافة إلى مرضهم عناء الانتقال إلى محافظه أخرى لتلقي العلاج . 

 

  إن تداعيات هذه الحرب واثارها النفسية المدمرة والممتدة على رقعة جغرافية واسعة تكاد تشمل كل أراضي ومحافظات الجمهورية اليمنية وتأثر بها عدد كبير من سكان اليمن وأن بدرجات متفاوتة وهو ما يتطلب منا الوقوف بشكل تضامني مشترك لعلاج ضحاياها من افراد وأسر وجماعات. ومن المؤسف القول أن المنظمات الاقليمية والدولية العاملة في اليمن لا تولي اهتماما يذكر في الوقت الحاضر للضحايا من المرضي النفسيين الذين يزداد عددهم باضطراد، وهم المرضى الذين لا تقتصر معاناتهم على أنفسهم فقط ، بل يتأثر بمرضهم الاسرة ومحيطهم الاجتماعي بأكمله.

 

 ومن هذه المنصة فاني أنادي وأدعوا المنظمات الدولية والاقليمية وفي مقدمتها منظمات الامم المتحدة أن تولي اهتماماً بالاضطرابات النفسية وتضم هذا المكون إلى برامجها الإغاثية فقد بلغ نطاق الاضطرابات النفسية حداً مخيفا يهدد أمن وسلامة الفرد والأسرة والمجتمع ككل ويهدد مستقبل السلام والتصالح المجتمعي في اليمن. فمشكلة الانتحار والإدمان وجرائم القتل والنهب والاغتصاب وقضايا العنف بمختلف أشكاله المجتمعي والأسري وقضايا التعصب والتطرف أصحبت مظاهر متكررة وشائعة لم تكن أبدا كما هي عليه اليوم في اليمن.

إن الضغط الشديد على خدماتنا في المؤسسة خلال السنتين الماضيتين ينبأ بما لا يدع مجالا للشك عن تضاعف الضغوط والاضطرابات النفسية ويعطينا مؤشر واضحاً ان أعداد المحتاجين للعلاج والارشاد قد ازداد بما لا يقاس.

 

وفي ختام كلمتي هذه ، اسمحوا لي أولا أن أشكر لكم حضوركم واستجابتكم الكريمة لدعوتنا كما لا يفوتني أن اتقدم بالشكر والثناء والتقدير لفريق المؤسسة اناثا وذكورا الذي يعملون ليل نهار بلا كلل أو ملل في تقديم هذه الخدمة الضرورية والشكر لكافة أعضاء المؤسسة الاداريين منهم والفنيين الذين يتفانون في تنظيم وتسهيل مهام وأعمال مؤسستنا الرائدة في تقديم هذه الخدمة، كما أشكر جميع المؤسسات والهيئات المتخصصة في مجال العلاج والارشاد النفسي  والعاملين فيها الذين لا يؤلون جهدا في تقديم عونهم وخدماتهم للمحتاجين من مواطني الجمهورية اليمنية. كما أشكر أيضا جميع المنظمات الاقليمية والدولية التي تقدم العون والدعم المالي والفني للمؤسسات التي تعمل في مجال العلاج والإرشاد النفسي والاسري.

 

وهنا أسمحوا لي أن أخص بالشكر والثناء والامتنان للحكومة الهولندية التي ما برحت تدعم مؤسستنا في جهودها لتقديم العلاج والارشاد النفسي للألاف من المرضي النفسيين على امتداد اليمن كله خلال السنوات القليلة الماضية. فبدعمها المتواصل استطعنا الوصول إلى عشرات الالاف من المرضى وقدمنا لهم خدمة العلاج والارشاد عندما احتاجوا إليها في الزمان والمكان المناسبين.  والشكر الجزيل والامتنان أيضا لوزارة المواصلات وشركات الاتصالات اليمنية جميعها ، يمن موبايل، وسبأ فون، MTN وشركة واي على كل ما يقدموه من دعم متواصل لمؤسستنا في إنجاز هذه المهمة الانسانية الجليلة.

أشكر لكم حضوركم الكريم وانتباهكم واهتمامكم وأيادينا بكل امتنان وتقدير ممدودة لكل من يرغب في العمل معنا أو تقديم الدعم لنا في هذه المهمة الجليلة والملحة التي من شأنها أن تخفف من معاناة والآم الملايين من اليمنيين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

                       رئيس المؤسسة

          أ.د. بلقيس محمد جباري

 


بتاريخ: 05/08/2017