عادت إليها الحياة بعد 20 عاما من المعاناة

خاص..

لم تكن تعلم سعاد (اسم مستعار) ذات الـ40 ربيعا، أن حياة بؤس وألم ومعاناة تنتظرها بعد ارتباطها بابن عمها الذي تزوجته قبل 20 عاما.

فهي منذ ارتباطها به لم تعرف طعم السعادة قط، بسبب معاملته القاسية لها.. إلا أن خوفها على أطفالها الثلاثة ومصيرهم، جعلها تتحمل قسوة زوجها عليها طوال هذه السنين بصبر وتكتم..

 

ورغم أن زوجها كان مغتربا بإحدى الدول الخليجية، إلا أن الغربة لم تغير من معاملته القاسية لزوجته شيء، بل أن قسوته زادت، لاسيما بعد عودته من الغربة جراء ترحيله من الدولة التي اغترب فيها..

فهو منذ عودته من الغربة بنفسيته التي زادت اضطرابا، أصبح كالكابوس المرعب على زوجته وأطفاله، حيث حرم أطفاله من إكمال تعليمهم وأجبرهم على الذهاب للعمل كي يعودوا له بالمال، ومن لا يعود منهم بالمال يقوم بسجنه بإحدى غرف المنزل لعدة أيام دون طعام أو شراب.

كل ذلك جعل زوجته وأطفاله في حالة نفسية يرثى لها، خصوصا بعد رميه يمين الطلاق عليها إن هي تكلمت معه بكلمة واحدة.

 

حينها حاولت سعاد البحث عن طريقة تخلصها وأطفالها من هذا العذاب والمعاناة، إلا أنه لم يخطر ببالها إلا طريقة واحدة وهي أن تقتل أطفالها ومن ثم تنتحر.

 

لكن الأقدار الإلهية تدخلت، فقبيل تنفيذها تلك الفكرة، قام زوجها بطردها من المنزل بحجة أنه لم يعد يطيقها ويريد الزواج عليها، ما اضطرها للعودة إلى منزل أهلها..

 

أصبحت سعاد تعاني من الضيق وفقدان الأمل في كل شيء، بل وأصبحت تكره كل الرجال وتشجع ابنتها بأن ترفض أي عريس، وتقنعها أن كل الرجال مثل أبيها.

وهي لا تعلم أن ذلك سيكون بداية لتغيير حياتها وأطفالها من المعاناة والعذاب إلى السعادة والابتهاج.

 

ففي أحد الأيام وأثناء مكوثها في منزل أهلها بمحافظة البيضاء، تعاطفت معها إحدى نساء القرية، وأخبرتها أن تتصل بالرقم الساخن المجاني التابع لمؤسسة التنمية والإرشاد الأسري، لأخذ استشارة نفسية تخفف عنها حالتها المضطربة.

 

سعاد في البداية لم تتحمس لذلك، لكنها رأت فيما بعد أنها لن تخسر شيئا إن هي جربت ذلك.. وبالفعل قامت بالاتصال بالرقم الساخن، ومن هنا بدأ وميض الأمل يضيء أمام سعاد، فبعد سماع المختصة النفسية في الخط الساخن لقصتها وحالتها، طلبت منها الحضور لإخضاعها لجلسات العلاج النفسي.

 

خضوعها للعلاج

بدأت الأخصائية النفسية بتشجيع سعاد على التنفيس وإخراج كل ما تشعر به وساعدتها على عرض حالتها، كما شجعتها على العلاج النفسي، وأخبرتها أنها ليست الحالة الوحيدة التي تواجه مثل هذه المعاناة.

 

عقب ذلك اتفقت الأخصائية مع سعاد على إجراء علاج نفسي لها، وشرحت لها طبيعة العلاج، كما أخبرتها الأخصائية النفسية بعد استماعها لها، أن سبب معاملة زوجها القاسية لها هو معاناته من اضطراب بالشخصية وكذا من اضطراب نفسي، جراء نشأته يتيما وانتقاله للعيش مع شقيقته وزوجها الذي كان يقوم بتعنيفه بقسوة.

أي أنه لم يكن يتعمد معاملتها بتلك القسوة، وأنه بمجرد علاجه من ذلك ستنتهي معاملته القاسية لها، وهو ما أشعرها بالاطمئنان وخفف عنها وطأة اضطرابها النفسي.

 

تطوير قدراتها

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أنه تم مساعدتها على توسيع رؤيتها أكثر للأمور، وكذا مساعدتها على الاسترخاء والتحكم في القلق والتوتر طوال فترة الجلسات، كما تم الاستعانة بزوجة أخيها خلال تلك الفترة كأخصائية مساعدة بعد البدء معها في العلاج السلوكي، بالإضافة إلى أنه تم تدريبها على العودة لأنشطتها السارة وإعادة دمجها في المجتمع.

 

تحسن حالتها

علامات التحسن بدأت تظهر عليها خلال أول أسبوعين، ما جعلها تحرص على الجلسات الخاصة بالعلاج النفسي، إلى أن تعافت تماما بعون الله من اضطرابها النفسي.

 

سعادة سعاد لم تتوقف بتعافيها من اضطرابها النفسي وحسب، بل أنها استطاعت إقناع أهل الزوج أن يجدوا حلا لابنهم، وبالفعل خضع الزوج للمقابلة الإكلينيكية مع الطبيب النفسي بالمؤسسة ذاتها، وتم تشخيص حالته بأنه يعاني من "حالة ذهانية واضطراب بالشخصية"، تحتاج للعلاج، كما تم التوضيح للزوجة كيفية التعامل مع الزوج ومساعدته في العلاج.

بعد ذلك عادت الزوجة لأحضان أطفالها بعد مرور ستة أشهر من العلاج والجلسات النفسية، وكذلك زوجها، فعقب تعافيه من المرض ذهب لاستفتاء الشرع فيما إذا كان قد حل طلاقه من زوجته بعد تهديده لها بالطلاق في حال تكلمت معه بكلمة واحدة، فتم إفتاؤه أن الطلاق باطل، نظرا لعدم أهليته جراء حالته المرضية التي كان يعاني منها في ذلك الوقت.

ليعيش بعدها مع زوجته وأطفاله حياة مستقرة تملؤها المحبة والسعادة.

وإلى الآن لا يزال يتم متابعة حالة سعاد والاطمئنان عليها أولا بأول عبر الخط الساخن.