من الرغبة في الانتقام والانتحار إلى الرغبة في الحياة

رغم أنها تزوجت في سن مبكرة إلا أن زواجها لم يدم طويلا، ففي سن الـ16 عاما تزوجت مرام (اسم مستعار)، لكنها سرعان ما وجدت نفسها مطلقة بعد 4 سنوات فقط من زواجها.

السنوات الأربع التي عاشتها مرام في عش الزوجية، كانت مليئة بالحزن والضيق واليأس، وأدخلتها في حالة نفسية صعبة، وجعلتها تكره الحياة وترغب في الانتحار.

لكن كيف تم مساعدة مرام وإخراجها من حالتها النفسية الصعبة تلك، وإعادتها إلى حالتها الطبيعية؟

 

تعود جذور القصة إلى قبل أربع سنوات عندما تقدم شاب لخطبة مرام، وتم تزويجها به مكرهة، كونه يعمل في بنك براتب يفوق 800 ألف ريال شهريا.

حاولت مرام أن تتقبل الأمر وتتأقلم مع حياتها الجديدة، إلا أن العام الأول من زواجها لم يمر بسلام، فقد كان مليء بالمشكلات، معتقدةً أن العام الأول من الزواج ربما دائما تصاحبه المشكلات.

 

ففي العام الأول من الزواج لم تحمل مرام، فاتهمها زوجها بالعقم، وعنفها أمام الآخرين متذمرا من حظه السيئ، إلا أنها أصرت أن تذهب إلى طبيبة النساء والولادة رغما عنه، وحينها تأكدت أنها لا تعاني من شيء سوى التهابات لا أكثر، لكنه غيّر اتهامه لها، إلى اتهامها بأنها تأخذ حبوب منع الحمل بدون علمه وكان مصرا على ذلك، لكنها حملت، فتجاهل الأمر رغم أنه كان يبدو عليه عدم الرغبة في أن يكون أبا.

 

استمر الزوج في مضايقة زوجته مرام، فكان يرسل لها رسائل ويتصل لها بأرقام غريبة، ويراقبها ليتأكد ما ستكون ردت فعلها، ورغم أنه لم يجد شيئا، إلا أنه كان يبحث عما يدينها به، ومما زاد الأمر سوء أن والدة الزوج كانت تقف في صفه وتؤيد أفكاره..

 

وصل الأمر بالزوج إلى الاعتداء عليها بالضرب، حيث كان يرمي عليها أي شيء يجده أمامه (ملف، كتاب، صحن، كوب)، لأسباب تافهة كـ(نقص الملح في الأكل، أو قطعها تركيزه، أو إيقاظه من النوم، أو لأنها تكلمت وهو يشاهد التلفاز) وغيرها من الأسباب غير المنطقية..

 

ظلت مرام تتألم بصمت، وعندما كانت والدتها تزورهم كانت تعرف ما بها من خلال النظر لعينيها، وعندما ترى الكدمات في الأجزاء الظاهرة من جسدها تقوم بنصحها بطاعة زوجها وعدم العناد وأن تتجنب الطلاق، كونها أصبحت أم لطفل وحامل بالآخر، فيجعلها ذلك في حيرة من أمرها، وتتساءل هل هي المذنبة؟ وما الغلط الذي ارتكبته؟ أم أنها على حق والجميع على خطأ؟!

 

وفي أحد الأيام خرجت الأسرة كاملة في رحلة إلى عدن، رغم أنه لم يكن يريد أن يأخذها معهم بحجة أنها حامل وبالأشهر الأخيرة، لكنها أصرت علّها تحسّن من نفسيتها.. ذهبت معهم جدتها (والدة أبيها) والتي شاهدت زوج الناجية كيف يصرخ عليها أمام الجميع وتركه لها متى ما شاء، فمثلا طلب منها أن تخلع "البرقع" وعندما رفضت قام بنزعه بالقوة، وفي اليوم التالي لم ترتدِ البرقع كي لا تكرر مأساة البارحة، وأيضا كي تكون مثل شقيقته، لكنه عندما شاهدها بدون "برقع" جن جنونه فاعتدى عليها بالضرب واتهمها بـ(التبرج) وانهال عليها بألفاظ بذيئة ثم طلب من الجميع الاستعداد للعودة إلى صنعاء..

 

عندما شاهدت الجدة كل ما حصل، قالت لحفيدتها إنها مسحورة، وأن فيها عين، وأعطتها عقد فيه ورقة مكتوب عليها كلام غير واضح، ورغم رفضها لهذا الشيء، إلا أن الجدة أصرت على ذلك لا اعتقادها أن فيه الفائدة لها ولزوجها، ولكي ينتهي السحر ويبطل، فوافقت الفتاة وأخذته منها لتطيّب خاطر الجدة وارتدته.. وفي أحد الأيام وضعته في الدولاب كي تدخل الحمام، فنسيته، وبعد أيام شاهد الزوج ذلك العقد فزاد جنونه واتهمها بعمل السحر له، وأصبح أكثر قسوة من ذي قبل، فحاولت التبرير له واستعطافه، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعا..

 

في تلك الفترة وضعت مرام مولودها الثاني، وظلت أسبوعا في المستشفى، وعندما عادت إلى المنزل، زارها أهلها وأعطوها هدايا وكل ما يقدم للوالدة من عصائر وغيرها..

 

لم يعجبه الأمر، خصوصا بعد أن تأكد بأنها تسحره، فقام بإخراج ما أعطوه لها إلى خارج المنزل، وظل يهددها بالطلاق، وفي الأخير طلب من أهلها أن يأتوا ويأخذوها بمفردها بدون رضيعتها، رغم أن الحضانة لها خصوصا أن البنت ما تزال صغيرة ولم يتعدَ عمرها الشهر، فصُدمت وتألمت..

حالة مرام زادت سوء عندما كانت النساء تأتي إليها لمحاولة معرفة سبب المشكلة مع زوجها، لاعتقادهن بأنهما كانا أسعد زوجين.

 

اتهامات الزوج لمرام تطورت إلى أن وصلت إلى اتهامها بالسحر، والسرقة، وأن لها علاقات بأشخاص آخرين.     

وجدت مرام نفسها وحيدة، بعد أن أصبح الجميع ضدها ويرجعون اللوم عليها، ويعتقدون أنها من تختلق المشكلات حتى تنفصل منه، كونها تزوجته قسرا..

 

مساعدة الحالة

وحده البكاء كان وسيلتها التي تلجأ إليها كل يوم للتخفيف من ألمها وحزنها ومعاناتها، إلى أن عرفت بخدمة الخط الساخن، واتصلت به، وبعد الاستماع لحالتها، تم الطلب منها الحضور إلى المؤسسة، لكنها رفضت خوفا على مكانتها الاجتماعية، ولكي لا يقال أنها حقا مجنونة وتؤيد كلام الزوج، فتم التواصل معها بادئ الأمر عبر الخط الساخن.

 

حيث قامت الأخصائية النفسية عبر الخط الساخن برفع روحها المعنوية والإنصات لها ومحاولة بث الأمل فيها، ومحاولة إقناعها بضرورة أخذ أدوية لتحسين النوم وحالة التشنج والعصبية التي أصبحت تعاني منها، لذلك حضرت لمؤسسة التنمية والإرشاد الأسري وقابلت الطبيب النفسي وبدأت تأخذ العلاج مع اعتبار أنها مرضعة.

 

التدخل اجتماعيا

تم التركيز في البداية على مناقشة موضوع حضانة أطفالها لاسيما طفلتها الصغرى، كون هذا الموضوع أكثر ما يهمها على الأقل في الوقت الحالي، فتم إيجاد حلول منها التدخل الاجتماعي وأيضا القانوني، ولكون الأهل رافضين التكلم والتحاور مع زوج ابنتهم لما قام به فقد قامت المعالجة بالجلوس مع أهل الناجية والتحدث معهم على أهمية دعمهم لها وضرورة مطالبتهم لحقوق ابنتهم وضرورة الوقوف معها كي تأخذ الحضانة خصوصا للمولودة وكان من ضمن الحلول التي تم مناقشتها أن يقوموا بإدخال وسطاء ومحكمين فيما بينهم وليكن أولا بشكل ودي واجتماعي، وفي حال عدم جدوى ذلك، يتم حينها الاستعانة بالقانون وتوكيل محامي لهذه القضية إذا لزم الأمر.

 

بعد التدخل الاجتماعي عادت الطفلة إلى الناجية، لكن الزوج حدد لها شهرين فقط لأخذها نهائياً، أما ابنها البالغ من العمر 7 سنوات، فقد رفض الزوج إحضاره لزيارة والدته، لذلك كان لابد من تدخل قانوني وتوكيل محامي، والذي تمكن بدوره أن يجعل حضانة الطفل والطفلة للأم، وهذا جعل الناجية تشعر بالراحة والثقة والنصر عليه.

 

خلال الشهر الثاني سمعت الناجية أن زوجها يريد أن يتزوج، وفعلا خطب فجن جنونها واعتبرت ذلك إهانة، خصوصا أنه اختار امرأة أكبر منها سنا وأقل جمال، فتم مساعدة الناجية على تعديل أفكارها الخاطئة التي أثرت على مزاجها وسلوكها، وأصبحت مدركة أن هنالك مشكلة في تضخيمها للأمور، وأن المشكلة قد لا تكون في الأحداث ولكن في تفسيرها للأحداث.

 

ولكون الناجية أصبح عندها تدهور للكثير من الأشياء منها الاهتمام بنفسها وبالآخرين، فقد تم التدخل سلوكيا من خلال جدول الأنشطة كي تعود لممارسة سلوكياتها التي اعتادت على ممارستها، وتم تحديد السلوكيات الضرورية والسارة والروتينية، وبالفعل بدأت الرجوع لهذه السلوكيات ومن هنا بدأت تشعر بتحسن، كونها شعرت أنها رجعت لحياتها كما كانت سابقا.

كما تم تعليم الناجية بعض المهارات كتعليمها بعض المهارات (الاجتماعية والتأكيدية)، وكذا تعليم المسترشدة أسلوب حل المشكلات.

 

بالإضافة إلى ذلك تم الجلوس مع ابن الناجية، كونه كان يعاني من تبول لا إرادي، ومن الكوابيس في النوم، نتيجة المشكلات بين والديه، وحرمانه من أمه وتهديده بأنه لن يراها أبدا، وتم عمل جلسات نفسية سلوكية وتعليم الأم كيف تساعده في اجتياز هذه المحنة، وتم إيضاح أهمية التعرف على الأسباب وعدم الاستهزاء بالطفل، وكذا حثها على تقليل إعطائه السوائل، وإيقاظه أكثر من مرة من النوم، وغير ذلك من الإجراءات.

 

أصبحت المسترشدة أكثر تحسنا، خصوصا بعد أن غيرت أفكارها وغيرت فكرة الانتقام من أن تنتقم منه بالإساءة له إلى كيف تجعله يندم من خلال التركيز على الإيجابيات الذي تملكها ومن خلال تطوير نفسها وبالتالي سيكون ذلك انتقام له.

 

أدركت مرام أنها كانت ضحية وبأنها غير مسئولة عما حصل بها.. وأصبحت أكثر ثقة بنفسها وأكثر قدرة على مواجهة المشكلات.. حتى أنه عندما وصلتها ورقة الطلاق لم تنهار كما اعتقدت بل كان لها يوم عيد.

وبكل بساطه طالبت بحقها في الحضانة والنفقة من خلال لجوؤها للقضاء، وفعلاً حصلت على ذلك.

كما أدركت مدى أهمية أن تكون علاقتها مع طليقها طيبة من أجل أولادها، وأهمية عدم ذكر والدهم بسوء أو شتمه.

بعدها تم تحفيزها على إكمال دراستها في الثانوية العامة، والآن دخلت الجامعة لدارسة اللغة الإنجليزية.

 

أصبحت مرام طموحة، وعلاقاتها الاجتماعية توسعت، حتى أصبحت تشجع الأخريات على التحمل والصمود وتحميسهن بشكل إيجابي.

 

وبذلك استطاعت مرام أن تواجه خوفها من المستقبل، وتمكنت من مراقبة أفكارها وتقوم باستبدالها بأفكار أكثر إيجابية.