سعت من أجل ألا يتركها زوجها.. فحرمها الفارق الفكري منه

ظلم وقهر ومشكلات، هكذا كانت حياة الناجية منى (اسم مستعار) على مدى عشرة أعوام، منذ أن تزوجت من ابن عمها الذي أنجبت منه أربعة أطفال، فهي طوال فترة زواجها من ابن عمها، لم تذق طعم الراحة قط.. لكن ما سبب تلك المعاناة التي عاشتها منى طوال تلك الفترة؟ وكيف تم مساعدتها على التخلص من آثار تلك الحياة الضنكا؟

 

في ريف إحدى المحافظات اليمنية، كانت منى تعيش حياة عادية بسيطة، ولأن المرأة في ريف المحافظات الشمالية لا تحظ بأبسط حقوقها - بسبب بعض العادات القبلية التي تطغى على ثقافة الناس في أرياف تلك المحافظات- فقد كانت منى ذات شخصية ضعيفة مترددة وخائفة وغير واثقة من نفسها، بل ومنغلقة ومحدودة الفكر وتعليمها اقتصر على الثانوية العامة، كما أنها لم تكن تجيد فن الكلام ولا حتى اللبس، بحسب وصف الناجية..

شاءت الأقدار أن تكون منى من نصيب ابن عمها الذي عاد من الغربة بغرض الزواج.. فتزوجته منى وأنجبت منه 4 أطفال.. إلا أن فارق الثقافة والفكر بين منى وابن عمها العائد من الغربة، جعلها تعيش معه حياة ظلم وقهر ومشكلات، بسبب معاملته السيئة والدونية لها، حيث كان يصفها بين الحين والآخر بالغباء ومحدودية الفكر، وبأنها لا تليق به كزوجة..  

حتى أن أسرة الزوج كانت تتوقع منذ البداية أن هذا الزواج لن يستمر طويلا، بسبب فارق الفكر بينهما، كما أن والدة الزوج كانت تعمل جاهدة على إنهاء هذا الزواج.

ظلت منى على مدى عشرة أعوام تتحمل فظاظة وظلم زوجها وأسرته، حتى لا تخسره وتفقده.. بل وقررت أن تغير من نفسها، فبدأت في تغيير مظهرها الخارجي، وتطورت أكثر فأكثر من ناحية الملبس وفن الكلام وقوة شخصيتها بعد تشجيع من حولها..

مرت الأيام والسنين وهي تحاول جاهدة إرضاء زوجها المغرور، إلى أن أصبح عمر ابنتها الكبرى 18 عاما، واعتقدت أنها نجحت في تكوين أسرتها السعيدة.

إلا أن فرحتها لم تدم طويلا واعتقادها لم يكن صحيحا وجهودها ذهبت سدا، فدون سابق إنذار وبلا سبب يذكر، فاجئها زوجها بالطلاق، فلم تصدق ذلك، إلى أن وصلتها ورقة طلاقها والتي كتب فيها بأنها "طالق وبدون أسباب"، وهو ما أصابها بصدمة شديدة، لدرجة أنها أنكرت ما حدث لها، ورفضت العودة إلى بيت والدها، بحجة أنها لم تتطلق وأن زوجها أرسلها لها بالخطأ، إلا أن أبيها أجبرها على الخروج من منزل زوجها، واصطحب أولادها معها إلى بيته، وبعد أن لاحظوا استمرارها في إنكارها لطلاقها، قاموا بإحضارها إلى مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري لعلاجها من الصدمة التي أصابتها.

 

الإجراءات العلاجية

بعد عمل التقييم الأولي للحالة، تم إخضاعها للجلسة الأولى: الإنكار للصدمة.

نتيجة الصدمة الشديدة التي تلقتها، ظلت منى تنكر تماما ما حدث لها، وكانت تتحدث عن أجمل أيامها معه، وأجمل صفاته الشخصية، كانت سعيدة ومتفائلة، ولكن الأخصائية شعرت أن الناجية لم تستوعب أنها تطلقت من زوجها, فقامت بإعطائها مقاييس وتحديد لها موعد آخر للاستمرار في التقييم.

 

الجلسة الثانية: مشاعر الغضب

في الجلسة الثانية حضرت الناجية وهي تشعر على حد قولها بـ"بركان يحرق جسدها"، وكانت تصب جام غضبها على زوجها الذي طلقها دون سبب، وتدعي عليه ليلا ونهارا، وهنا أدركت الأخصائية أن الناجية في المرحلة الثانية من الصدمة.. فقامت الأخصائية بالتوضيح للناجية بأن ما تعرضت له هو (عنف)، وأن طلاقها كان تعسفيا، ومن ثم تم تدريبها على ضبط أعصابها والاسترخاء الذهني العميق، ومحاولة عمل أساليب الدعم النفسي لها إلى أن هدأت.

بعدها تم إحالتها إلى الطبيب النفسي والذي قام بدوره بوصف لها الأدوية النفسية التي تساعدها على تقبل ما حدث وتخفف نوبة غضبها، ومن ثم تم إعطائها موعد جديد لجلسة ثالثة.

 

الجلسة الثالثة: المساومة

بدأت الناجية خلال الجلسة الثالثة في المساومة بأنها سوف تتنازل عن حقوقها وعن أي شيء يطلبوه منها، مقابل أن يرجع لها، رغم أنها أمام حقيقة واحدة هي أنه تم طلاقها ولابد لها من تقبل الحقيقة ووضع أهداف جديدة للحياة بعيدا عن هذا الزوج المغرور.

انهالت الناجية بالبكاء والصياح، وهي تشعر بالظلم والقهر والندم على سنين عمرها التي قضتها في سبيل إنجاح حياتها والمحافظة على أسرتها الكريمة.

تم إنهاء الجلسة الثالثة على أساس أن تتوقف عن التفكير بالصدمة التي تعرضت لها فترة من الزمن، وأن تستخدم قاعدة السعادة (هنا والآن)، والتدريب على أسلوب (توقيف الأفكار)، وأيضا على أسلوب (الوقت المستقطع)، حتى تهدأ تماما وتجمع أشلاء نفسها الممزقة.

 

الجلسة الرابعة: التقبل والتعايش

لكي تبدأ مرحلة جديدة في حياتها بأهداف جديدة، تم إحالتها إلى الخدمات المقدمة من المؤسسة للنساء المعنفات، وإحالتها إلى الجانب القانوني حتى يسترد حقها، وكذلك تدريبها على المهارات الحياتية والتأهيلية، وإشراكها ضمن العلاج الجمعي - ضمن مجموعات علاجية  للنساء المعنفات- لتخفيف حدة الصدمة، وسهولة تقبل الوضع الجديد من خلال إعادة الدمج والمشاركة الوجدانية.

 

الجلسة الخامسة والسادسة: علاج أسري  

تم عمل جلسات علاج اسري لمساعدة أبنائها على تقبل الصدمة، من خلال شرح فكرة الطلاق وأنها حل لبعض المشكلات العقيمة، وأن ذلك لن يؤثر في حب الوالدين لهم، وكيفية تحمل وتوزيع الأدوار والمسؤوليات في البيت، وتشجيع بعضهم البعض، وأن كل واحد منهم مسئول عن أخيه أو أخته.. وكذلك تم الإصغاء لما يشعرون به، وعمل حلول لمشكلاتهم التي طرأت على حياتهم، وتخفيف مشاعر الخوف والقلق من المستقبل، من خلال ذكر نماذج عن أسر تمر بنفس التجربة ومع ذلك لم تتأثر أو تختل.. بالإضافة إلى تدريبهم على أسلوب التجربة السلوكية (بمعنى أن ما نشعر به قد لا يكون حقيقة)، كأن نشعر أحيانا بالخوف من أشياء معينة، ولكن عندما نطبقها أو نجربها نكتشف أننا نبالغ في ردة فعلنا، أو مخاوفنا من تجربته.. إلى جانب التدريب على الاسترخاء الذهني، كي يستطيعوا السيطرة على مخاوفهم.. كما تدريبهم على أسلوب قاعدة السعادة (هنا والآن).

 

تحسن الأسرة 

على ضوء ذلك البرنامج، تحسنت نفسية الأسرة، بعد فترة علاج دامت ثلاثة أشهر متتابعة، وأعربت الناجية عن شكرها وامتنانها للجهود المبذولة سواء على مستوى الخط الساخن أو العيادات في لم شمل الأسرة ومنعها من الانهيار والضياع.. وشكرت الأخصائية على عملها المتفاني الذي أعاد إليها الأمل والسعادة، وشكرت إدارة المؤسسة التي تفانت في خدمة المجتمع لتصل خدمتها إلى كل بيت على حد سواء في الريف أو المدينة، لتساهم في حل المشكلات وإنقاذ الأسر من الهلاك والتشتت عبر الخط الساخن المجاني (136), كما ستقوم بمتابعة العلاج عبر الخط الساخن عند الحاجة.